فصل: الجزء الثالث

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية لأحاديث الهداية **


 الجزء الثالث

 بيان منشأ تضعيف ‏"‏الحسن بن عمارة‏"‏ والقول الفصل فيه قد ذكر غير مرة في هذا الجزء من الكتاب، وفي سائر الأجزاء، تضعيف المحدثين ‏"‏لحسن بن عمارة‏"‏، ونحاول أن نأتي بكلمة من كتاب ‏"‏المحدث الفاصل بين الراوي والواعي‏"‏ للقاضي أبي محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي إيفاء للبحث، وإنه قول فصل في كشف الحال، قال القاضي‏:‏

حدثنا الحضرمي ثنا محمود بن غيلان ثنا أبو داود الطيالسي، قال‏:‏ قال شعبة‏:‏ إئت جرير بن حازم، فقل له‏:‏ لا يحل لك أن تروي عن الحسن بن عمارة، فإنه يكذب، قلت لشعبة‏:‏ ما علامة ذلك‏؟‏ قال‏:‏ روى عن الحكم أشياء لم نجد لها أصلًا قلت للحكم‏:‏ صلى النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ على قتلى أحد‏؟‏ قال‏:‏ لم يصل عليهم‏:‏ وقال الحسن بن عمارة‏:‏ حدثني الحكم عن مقسم عن ابن عباس أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ صلى عليهم ودفنهم، وقلت للحكم‏:‏ ما تقول في أولاد الزنا‏؟‏ قال‏:‏ يعتقون، قلت‏:‏ من ذكره‏؟‏ قال - يعني من حديث الحسن البصري عن علي - قال الحسن بن عمارة، ثنا الحكم عن يحيى بن الجزار عن علي أنهم يعتقون‏.‏

حدثنا عبدان ثنا محمد بن عبد اللّه المخرمي ثنا أبو داود، قال‏:‏ سمعت شعبة يقول‏:‏ ألا تعجبون من هذا المجنون، جرير بن حازم، وحماد بن زيد أتياني يسألاني أن أسكت عن الحسن بن عمارة، ولا واللّه لا سكتّ عنه، ثم لا والله لا سكتّ عنه، هذا الحسن بن عمارة يحدث عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس، وعن الحكم عن يحيى بن الجزار عن علي قالا‏:‏ إذا وضعت زكاتك في صنف من الأصناف جاز، وأنا واللّه سألت الحكم عن ذلك فقال‏:‏ إذا وضعت في صنف من الأصناف أجزأك، فقلت‏:‏ عمن‏؟‏ فقال‏:‏ عن إبراهيم النخعي‏.‏

وهذا الحسن بن عمارة يحدث عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس، وعن الحكم عن يحيى بن الجزار عن علي أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ صلى على قتلى أحد وغسلهم، وأنا سألت الحكم عن ذلك فقال‏:‏ يصلى عليهم ولا يغسلون، قلت‏:‏ عمن‏؟‏ قال‏:‏ بلغني عن الحسن البصري‏.‏

قال القاضي‏:‏ أصل هذه الحكاية عن أبي داود، وقد خلط، أو قد خلط عليه فيها، والمخرمي أضبط من محمود بن غيلان، وقال محمود - فيما يحكيه عن أبي داود عن شعبة - ‏:‏ إن ابن عمارة روى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس‏:‏ صلى النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ على قتلى أحد ودفنهم‏.‏

وقال المخرمي في روايته‏:‏ أصلى صل النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ على قتلى أحد‏؟‏ قال‏:‏ لم يصل عليهم، وقال المخرمي في روايته عن شعبة‏:‏ قال‏:‏ قلت للحكم‏:‏ أيصلى على القتلى‏؟‏ قال‏:‏ يصلى عليهم ولا يغسلون‏.‏ وبين الحكايتين تفاوت شديد، وفرقان ظاهر‏.‏

وليس يستدل على تكذيب الحسن بن عمارة من الطريق الذي استدل به أبو بسطام، لأنه استفتى الحكم في المسألتين، فأفتاه الحكم بما عنده، وهو أحد فقهاء الكوفة زمن حماد، فلما قال له أبو بسطام‏:‏ عمن‏؟‏ أمكن أن يكون أنه يظن أنه يقول‏:‏ من الذي يقوله من فقهاء الأمصار، فقال في أحدهما‏:‏ هو قول إبراهيم، وفي الأخرى‏:‏ هو قول الحسن، هذا فقيه أهل الكوفة، وذاك فقيه أهل البصرة، ولم تقم الرواية فيهما مقام الحجة، وليس يلزم المفتي أن يفتي بجميع ما يعي، ولا يلزمه أيضًا أن يترك رواية ما لا يفتى به، وعلى هذا مذاهب جميع فقهاء الأمصار‏:‏

هذا مالك يرى العمل بخلاف كثير مما يروى، والزهري عن سالم عن أبيه أثبت وأقوى عند علماء الحديث من الحكم عن مقسم عن ابن عباس، وقد خالف مالك هذه الرواية في رفع اليدين بعد أن حدث به عن الزهري‏.‏

وهذا أبو حنيفة يروي حديث فاطمة بنت أبي حبيش في المستحاضة، ويقول بخلافه‏.‏

وقد يمكن أن يحدث الحكم بن عمارة من كتابه بما لا يحفظه، والعمل عنده بخلافه، ويسأله شعبة فيجيب على ما يحفظ، والعمل عليه عنده، والإِنصاف أولى بأهل العلم، وكان أبو بسطام سيء الرأي في الحسن، واللّه يغفر لهما‏.‏

حدثني محمد بن جعفر الأهوازي المقرى ثنا أبو عبد اللّه الأخفش ثنا محمد بن عبد اللّه المخرمي ثنا شباب، قال‏:‏ قيل لشعبة‏:‏ إن الحسن بن عمارة قد عقد مجلسًا، قال‏:‏ أي يوم‏؟‏ قالوا‏:‏ يوم الجمعة، قال‏:‏ إن كان صادقًا فليحدث يوم السبت، انتهى كلامه الفاصل‏.‏

فقد اتضح لك منشأ تضعيف شعبة لابن عمارة الكوفي قاضي بغداد، والجواب عنه، وإن الأمر هين، وقد ازداد شغب في غير محله، واتباع شعبة فيه اتباع في غير سبيله، ورحم اللّه من أنصف، وعلم ما وراء الستار، وقد تعسف الدارقطني في قوله‏:‏ إنه متروك‏.‏ نقول‏:‏ وكيف يروى عنه السفيانان، وابن القطان لو كان متروكًا‏!‏‏!‏، واللّه يقول الحق، ويهدي السبيل‏.‏

إدارة ‏"‏المجلس العلمي‏"‏